كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ابن عباس: إنها نزلت في ناس من المسلمين كانوا يتحينون طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخلون عليه قبل الطعام قبل أن يدرك ثم يأكلون، ولا يخرجون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأذى بهم، فنزلت الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} يعني إلا أن تدعوا {إلى طعام} فيؤذن لكم فتأكلون {غير ناظرين إناه} يعني منتظرين نضجه ووقت إدراكه {ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم} أي أكلتم الطعام {فانتشروا} أي فاخرجوا من منزله وتفرقوا {ولا مستأنسين لحديث} أي لا تطيلوا الجلوس ليستأنس بعضكم بحديث بعض، وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدثون فنهوا عن ذلك {إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم} أي فيستحيي من إخراجكم {والله لا يستحيي من الحق} أي لا يترك تأديبكم وبيان الحق حياء ولما كان الحياء مما يمنع الحيي من بعض الأفعال، وقيل: لا يستحيي من الحق بمعنى لا يمتنع منه ولا يتركه ترك الحيي منكم وهذا أدب أدب الله به الثقلاء، وقيل: بحسبك من الثقلاء أن الله لم يحتملهم {وإذا سألتموهن متاعًا} أي وإذا سألتم نساء النبي صلى الله عليه وسلم حاجة {فاسألوهن من وراء حجاب} أي من وراء ستر فبعد آية الحجاب لم يكن لأحد أن ينظر إلى امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم متنقبة كانت أو غير متنقبة {ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} أي من الريب {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} أي ليس لكم أذاه في شيء من الأشياء {ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا} نزلت في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم، قال إذا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأنكحن عائشة.
قيل هو طلحة بن عبيد الله فأخبر الله أن ذلك محرم، وقال: {إن ذلك كان عند الله عظيمًا} أي ذنبًا عظيمًا وهذا من إعلام تعظيم الله لرسوله الله صلى الله عليه وسلم، وإيجاب حرمته حيًا وميتًا وإعلامه بذلك مما طيب نفسه وسر قلبه واستفرغ شكره فإن من الناس من تفرط غيرته على حرمه حتى يتمنى لها الموت قبله لئلا تنكح بعده.
{إن تبدوا شيئًا} أي من أمر نكاحهن على ألسنتكم {أو تخفوه} أي في صدوركم {فإن الله كان بكل شيء عليمًا} أي يعلم سركم وعلانيتكم، نزلت فيمن أضمر نكاح عائشة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: قال رجل من الصحابة ما بالنا نمنع من الدخول على بنات أعمامنا، فنزلت هذه الآية، ولما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله، ونحن أيضًا يا رسول الله نكلمهن من وراء حجاب فأنزل الله: {لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن} أي لا إثم عليهن في ترك الحجاب عن هؤلاء الأصناف من الأقارب {ولا نسائهن} قيل أراد به النساء المسلمات، حتى لا يجوز للكتابيات الدخول على أزواج رسول الله صلى الله عليه سلم وقيل هو عام في المسلمات والكتابيات وإنما قال ولا نسائهن لأنهن من أجناسهن {ولا ما ملكت أيمانهن} اختلفوا في أن عبد المرأة هل يكون محرمًا لها أم لا فقال قوم بل يكون محرمًا لقوله تعالى ولا ما ملكت أيمانهن، وقال قوم العبد كالأجانب والمراد من الآية الإماء دون العبيد {واتقين الله} أي أن يراكن أحد غير هؤلاء {إن الله كان على كل شيء} أي من أعمال العباد {شهيدًا} قوله: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} قال ابن عباس: أراد أن الله يرحم النبي، والملائكة يدعون له وعنه أيضًا يصلون يتبركون وقيل الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار فصلاته ثناؤه عليه عند ملائكته وصلاة الملائكة الدعاء {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه} أي ادعوا له بالرحمة {وسلموا تسليمًا} أي حيوه بتحية الإسلام.
فصل في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها:
اتفق العلماء على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم اختلفوا فقيل تجب في العمر مرة وهو الأكثر وقيل: تجب في كل صلاة في التشهد الأخير وهو مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد وقيل: تجب كلما ذكر واختاره الطحاوي من الحنفية والحليمي من الشافعية والواجب اللهم صل على محمد وما زاد سنة.
ق عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدي لك هدية إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد».
ق عن أبي حميد الساعدي قال: قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك قال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد».
م عن أبي مسعود البدري؛ قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم».
م عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا» عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا، وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات» أخرجه الترمذي وله عن أبي طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشر في وجهه فقلت إنا لنرى البشر في وجهك قال: «أتاني الملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشرًا، ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرًا» وله عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض، يبلغوني عن أمتي السلام» عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم على صلاة» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب.
وله عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البخيل الذي ذكرت عنده فلم يصل علي» أخرجه الترمذي: وقال حديث حسن غريب صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللهم صلي على محمد النبي الأمي، وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد» أخرجه أبو داود.
قوله: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابًا مهينًا} قال ابن عباس هم اليهود والنصارى والمشركون فأما اليهود فقالوا: عزير ابن الله ويد الله مغلولة وقالوا إن الله فقير ونحن أغنياء وأما النصارى فقالوا المسيح ابن الله وثالث ثلاثة وأما المشركون فقالوا: الملائكة بنات الله والأصنام شركاؤه.
خ عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله كذبني ابن آدم، ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي، فقوله اتخذ ولدًا وأنا الأحد الصمد لم يلد، ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد».
ق عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي أقلب الليل والنهار» معنى هذا الحديث: أنه كان من عادة العرب في الجاهلية أن يذموا الدهر ويسبوه عند النوازل، لاعتقادهم أن الذي يصيبهم من أفعال الدهر فقال الله تعالى أنا الدهر أي أنا الذي أحل بهم النوازل، وأنا فاعل لذلك الذي تنسبونه إلى الدهر في زعمكم، وقيل معنى يؤذون الله يلحدون في أسمائه وصفاته وقيل: هم أصحاب التصاوير.
ق عن أبي هريرة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة وليخلقوا حبة أو شعيرة» وقيل: يؤذون الله أي يؤذون أولياء الله، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى من آذى لي وليًا فقد آذنته بالحرب» وقال تعالى: «من أهان وليًا فقد بارزني بالمحاربة» ومعنى الأذى هو مخالفة أمر الله تعالى وارتكاب المعاصي، ذكر ذلك على ما يتعارفه الناس بينهم لأن الله تعالى منزه عن أن يلحقه أذى من أحد، وأما إيذاء الرسول فقال ابن عباس هو أنه شج وجهه وكسرت رباعيته وقيل ساحر شاعر معلم مجنون {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا} أي من غير أن عملوا ما أوجب أذاهم وقيل يقعون فيهم ويرمونهم بغير جرم {فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا} قيل إنها نزلت في علي بن أبي طالب كانوا يؤذونه، ويشتمونه وقيل نزلت في شأن عائشة وقيل نزلت في الزناة الذين يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء، إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن فيتبعون المرأة فإن سكتت تبعوها، وإن زجرتهم انتهوا عنها ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الأمة لأن زي الكل كان واحدًا تخرج الحرة والأمة في درع وخمار فشكوا ذلك إلى أزواجهن، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات} الآية، ثم نهى الحرائر أن يتشبهن بالإماء، فقال تعالى، {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين}.
أن يرخين ويغطين {عليهن من جلابيبهن} جمع جلباب وهو الملاءة التي تشمل بها المرأة فوق الدرع والخمار، وقيل الملحفة وكل ما يستتر به من كساء، وغيره.
قال ابن عباس: أمر نساء المؤمنين أن يغطين رءوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عينا واحدة ليعلم أنهن حرائر وهو قوله تعالى: {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} أي لا يتعرض لهن {وكان الله غفورًا رحيمًا} أي لما سلف منهن قال أنس: مرت بعمر بن الخطاب جارية متنقبة فعلاها بالدرة، وقال يالكاع اتتشبهين بالحرائر ألق القناع.
لكاع كلمة تقال لمن يستحقر به مثل العبد والأمة والخامل والقليل العقل مثل قولك يا خسيس.
قوله تعالى: {لئن لم ينته المنافقون} أي عن نفاقهم {والذين في قلوبهم مرض} أي فجور وهم الزناة {والمرجفون في المدينة} أي بالكذب وذلك أن ناسًا منهم كانوا إذا خرجت سرايا رسول الله صلى لله عليه وسلم يوقعون في الناس أنهم قد قتلوا وهزموا ويقولون: قد أتاكم العدو ونحو هذا من الأراجيف، وقيل: كانوا يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا وتفشوا الأخبار {لنغرينك بهم} يعني لنحرشنك بهم ولنسلطنك عليهم {ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلًا} أي لا يساكنونك في المدينة إلا قليلًا أي حتى يخرجوا منها وقيل لنسلطنك عليهم حتى تقتلهم وتخلي منهم المدينة {ملعونين} أي مطرودين {أينما ثقفوا} أي وجدوا وأدركوا {أخذوا وقتلوا تقتيلًا} أي الحكم فيهم هذا على الأمر به {سنة الله} أي كسنة الله {في الذين خلوا من قبل} أي في المنافقين والذين فعلوا مثل ما فعل هؤلاء أن يقتلوا حيثما ثقفوا {ولن تجد لسنة الله تبديلًا} قوله: {يسألك الناس عن الساعة} قيل إن المشركين كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن وقت قيام الساعة استعجالًا على سبيل الهزء وكان اليهود يسألونه عن الساعة امتحانًا، لأن الله تعالى عمى عليهم علم وقتها في التوراة فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم بقوله: {قل إنما علمها عند الله} يعني إن الله تعالى قد استأثر به ولم يطلع عليه نبيًا ولا ملكًا {وما يدريك} أي أي شيء يعلمك أمر الساعة ومتى يكون قيامها {لعل الساعة تكون قريبًا} أي إنها قريبة الوقوع وفيه تهديد للمستعجلين، وإسكات للممتحنين {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرًا خالدين فيها أبدًا لا يجدون وليًا ولا نصيرًا يوم تقلب وجوههم في النار} أي تتقلب ظهر البطن حين يسحبون عليها {يقولون يا ليتنا أطعنا الرسولا} أي في الدنيا {وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا} يعني رءوس الكفر الذي لقنوهم الكفر، وزينوه لهم {فأضلونا السبيلا} يعني سبيل الهدى.
{ربنا آتهم} يعنون السادة والكبراء {ضعفين من العذاب} يعني ضعفي عذاب غيرهم {والعنهم لعنًا كبيرًا} قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين أذوا موسى فبرأه الله مما قالوا} يعني فطهره الله مما قالوا فيه {وكان عند الله وجيهًا} يعني كريمًا ذا جاه وقد قال ابن عباس كان حظيًا عند الله لا يسأل الله شيئًا إلا أعطاه، وقيل كان مستجاب الدعوة وقيل كان محببا مقبولًا واختلفوا فيما أوذي به موسى، فروى أبو هريرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض وكان موسى عليه السلام يغتسل، وحده فقالوا والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر قال فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه قال فجمع موسى، بأثره يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى فقالوا: والله ما بموسى من بأس فقام الحجر حتى نظر إليه قال فأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربًا» قال أبو هريرة والله إن بالحجر ندبًا ستة أو سبعة من ضرب موسى الحجر أخرجه البخاري ومسلم وللبخاري، قال قال رسول الله صلى الله عليه سلم «إن موسى كان رجلًا حييًا ستيرًا لا يرى شيء من جسده استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده، إما برص وإما أدرة وإما آفة وأن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى فخلا يومًا وحده، فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وأن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى العصا وطلب الحجر وجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، ورأوه عريانًا أحسن ما خلق الله، وبرأة مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه ولبسه وطفق بالحجر ضربًا بعصاه فوالله إن بالحجر لندبا من أثر الضرب ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا» فذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهًا} الأدرة عظم الخصية لنفخة فيها، وقوله فجمع أي أسرع وقوله ثوبي حجر أي دع ثوبي يا حجر قوله وطفق أي جعل يضرب الحجر، وقوله ندبًا هو بفتح النون والدال وهو الأصح وأصله أثر الجرح، إذا لم يرتفع عن الجلد فشبه به الضرب، بالحجر، المحدثون يقولون ندبا بسكون الدال وقيل في معنى الآية أن أذاهم إياه، أنه لما مات هارون في التيه ادعوا على موسى أنه قتله فأمر الله تعالى الملائكة حتى مروا به على بني إسرائيل فعرفوا أنه لم يقتله فبرأه الله مما قالوا: وقيل إن قارون استأجر بغيًا لتقذف موسى بنفسها على رأس الملأ فعصمها الله، وبرأ موسى من ذلك وأهلك قارون.
ق عن عبد الله بن مسعود قال لما كان يوم حنين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسًا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة بن حصن مثل ذلك وأعطى ناسًا من أشراف العرب وآثرهم في القسمة فقال رجل والله إن هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه الله فقلت والله لأخبرن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال فأتيته فأخبرته بما قال: فتغير وجهه حتى كان كالصرف ثم قال: «فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله ثم قال: يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» الصرف بكسر الصاد صبغ أحمر يصبغ به الأديم.
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا}.
قال ابن عباس صوابًا وقيل: عدلًا وقيل صدقًا وقيل قول هو لا إله إلا الله {يصلح لكم أعمالكم} قال ابن عباس: يتقبل حسناتكم {ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا} أي ظفر بالخير العظيم.
قوله: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال} الآية قال ابن عباس: أراد بالأمانة الطاعة والفرائض التي فرضها الله على عباده عرضها على السموات والأرض والجبال على أنهم إذا أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم وقال ابن مسعود: الأمانة أداء الصلوات وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت وصدق الحديث، وقضاء الدين والعدل في المكيال والميزان وأشد من هذا كله الودائع وقيل: جميع ما أمروا به ونهوا عنه وقيل هي الصوم وغسل الجنابة وما يخفى من الشرائع، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص أول ما خلق الله من الإنسان الفرج وقال: هذه الأمانة استودعكها فالفرج أمانة والأذن أمانة والعين أمانة واليد أمانة والرجل أمانة، ولا إيمان لمن لا أمانة له، وفي رواية عن ابن عباس هي أمانات الناس والوفاء بالعهود فحق على كل مؤمن أن لا يغش مؤمنًا، ولا معادًا في شيء لا في قليل ولا كثير فعرض الله تعالى هذه الأمانة على أعيان السموات ولأرض والجبال وهذا قول جماعة من التابعين وأكثر السلف فقال لهن: أتحملن هذه الأمانة بما فيها قلن وما فيها قال: إن أحسنتن جوزيتن وإن عصيتن عوقبتن قلن يا رب نحن مسخرات لأمرك لا نريد ثوابًا ولا عقابًا وقلن ذلك خوفًا وخشية وتعظيمًا لدين الله تعالى: أن لا يقوموا بها لا معصية ولا مخالفة لأمره، وكان العرض عليهم تخييرًا لا إلزامًا، ولو ألزمهن لم يمتنعن من حملها والجمادات كلها خاضعة لله، مطيعة لأمره ساجدة له قال بعض أهل العلم ركب الله تعالى فيهن العقل والفهم حين عرض عليهم الأمانة، حتى عقلن الخطاب وأجبن بما أجبن وقيل المراد من العرض على السموات والأرض، هو العرض على أهلها من الملائكة دون أعيانها، والقول الأول أصح وهو قول العلماء {فأبين أن يحملنها وأشفقن منها} أي خفن من الأمانة أن لا يؤدينها فيلحقهن العقاب {وحملها الإنسان} يعني آدم قال الله لآدم إني عرضت الأمانة على السموات والأرض والجبال فلم تطقها، فهل أنت آخذها بما فيها قال يا رب، وما فيها قال: إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت فتحملها آدم فقال: بين أذني وعاتقي قال الله أما إذا تحملت فسأعينك وأجعل لبصرك حجابًا فإذا خشيت أن لا تنظر إلى ما لا يحل فارخ عليه حجابه واجعل للسانك لحيين وغلاقًا فإذا خشيت فأغلقه، واجعل لفرجك لباسًا فلا تكشفه على ما حرمت عليك قال مجاهد فما كان بين أن تحملها، وبين أن أخرج من الجنة إلا مقدار ما بين الظهر والعصر وقيل إن ما كلف الإنسان حمله بلغ من عظمه، وثقل محمله أنه عرض على أعظم ما خلق الله تعالى من الإجرام، وأقواه وأشده أن يحتمله ويستقبل به فأبى حمله وأشفق منه وحمله الإنسان على ضعفه وضعف قوته {إنه كان ظلومًا جهولًا}.